فصل: يوم الخميس وقت العصر حضر الآغا والوجاقلية إلى بيت القاضي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» **


 وفي يوم الاثنين عاشره نودي بالأمان أيضًا وأن العساكر لا يتعرضون لأحد بأذية وكل من تعرض له عسكري بأذية ولو قليلة فليشتكه الى القلق الكائن بخطته ويحضره الى طاهر باشا فينتقم له منه‏.‏ وفي

 

يوم الخميس وقت العصر حضر الآغا والوجاقلية إلى بيت القاضي

وأعلموه باجتماعهم في غد عند طاهر باشا ويتفقون على تلبيسة قائمقام ويكتبون عرض محضر بحاصل ما وقع‏.‏

وفي ذلك اليوم حضر جعفر كاشف تابع ابراهيم بك وبيده مراسلة خطابًا للعلماء والمشايخ وقيل إنه كان بمصر من مدة أيام وكان يجتمع بطاهر باشا كل وقت بالشيخونية فلما أصبح يوم الجمعة رابع عشره اجتمع المشايخ عند القاضي وركبوا صحبته وذهبوا عند طاهر باشا وعملوا ديوانًا وأحضر القاضي فروة سمور ألبسها لطاهر باشا ليكون قائمقام حتى تحضر له الولاية أو يأتي وال وكلموه على رفع الحوادث والمظالم وظنوا فيه الخيرية واتفقوا على كتابة عرضحال بصورة ما وقع وقرأوا المكتوب الذي حضر من عند الأمراء القبالى وهو مشتمل على آيات وأحاديث وكلام طويل ومحصله أنهم طائعون وسممتثلون ولم يحصل منهم تعد ولا محاربة وإنما إذا حضروا الى جهة أو بلدة وطلبوا المرور عليها أو قضاء حاجة من بندر منعهم الحاكم والعساكر التي بها ونابذ بالمحاربة والطرد ومع ذلك إذا وقعت بيننا محاربة لا يثبتون لنا وينهزمون ويفرون وقد تكرر ذلك المرة بعد المرة ولا يخفى ما يترتب على ذلك من النهب والسلب وهتك الحرائر وقد وقع لنا لما حضرنا بالمنية فحصل ما حصل وبدؤونا بالطرد والإبعاد حصل ما حصل مما ذكر وعوقب من لا جنى وذنب الرعية والعباد في رقابكم وقد التمسنا من ساداتنا المشايخ أن يتشفعوا لنا عند حضرة الوزير ويعطينا ما يقوم بمؤونتنا ومعايشنا فأبى حضرة الوزير إلا إخراجنا من القطر المصري كليًا وبعثتم تحذرونا مخالفة الدولة العلية مستدلين علينا بقوله تعالى أطيعوا الله وأطيعوا الرسول أولي الأمر منكم‏.‏

ولم تذكروا لنا آية تدل على أننا نخرج من تحت السماء ولا آية تدل على أننا نلقى بأيدينا الى التهلكة وذكرتم لنا أن حريمنا وأولادنا بمصر وربما ترتب على المخالفة وقوع الضرر بهم وقد تعجبنا من ذلك فإننا إنما تركنا حريمنا ثقة بأنهم في كفالتكم وعرضكم على أن المروءة تأبى صرف الهمة الى امتداد الأيدي للحريم والرجال للرجال على أن أملك دورًا والله يقلب الليل والنهار والملك بيد الله يؤتيه من يشاء قل الله مالك الملك الآية فلما قرئ ذلك بتفاصيله تعجب السامعون له فكأنما كانوا ينظرون من خلف حجاب الغيب وأخذ ذلك المكتوب طاهر باشا وأودعه في جيبه ثم قال الحاضرون فما يكون الجواب قال حتى نتروى في ذلك ثم كتب لهم جوابًا يخبرهم فيه بما وقع ويأمرهم بأنهم يحضرون بالقرب من مصر لربما اقتضى الحال الى المعاونة‏.‏

وفي يوم الاثنين سابع عشره كتبوا العرض المحضر بصورة ما وقع وختم عليه المشايخ والوجاقلية وأرسلوه الى اسلامبول وأما محمد باشا المهزوم فإنه لم يزل في سيره حتى وصل الى المنصورة وفرد على أهلها تسعين ألف ريال وكذلك فرد على علي ما أمكنه من بلاد الدقهلية والغربية فردًا ومظالم وكلفًا وصادف في طريقه بعض المعينين حاضرين بمبالغ الفردة السابقة فأخذها منهم‏.‏

وفي ليلة الثلاثاء بعد المغرب ثامن عشره أرسل طاهر باشا عدة من العسكر فقبضوا على جماعة من بيوتهم وهم أغات الانكشارية ومصطفى كتخدا الرزاز ومصطفى آغا الوكيل وأيوب كتخدا الفلاح وأحمد كتخدا علي والسيد أحمد المحروقي فأنزلوه الى بيته في ثاني يوم وعملوا عليه ستمائة ولزم العسكر بيته وكذلك بقية الجماعة منهم من عمل عليه مائتا كيس وأقل وأكثر وأقاموا في الترسيم‏.‏

وفي يوم الجمعة حادي عشرينه ركب طاهر باشا بالموكب والملازمين وصلى الجمعة بجامع الحسين‏.‏

وفيه وردت الأخبار بأن الأمراء المصرية رجعوا الى قبلي ووصلوا الى قرب بني سويف‏.‏

وفيه تشفع شيخ السادات في مصطفى آغا الوكيل وأخذه الى بيته وعملوا عليه مائتين وعشرين كيسًا فلما كان يوم الأحد أرسل طاهر باشا يطلب مصطفى آغا الوكيل من عند شيخ السادات فركب معه شيخ السادات وسعيد آغا وكيل دار السعادة وذهبا صحبته الى بيت طاهر باشا‏.‏

فلما طلعوا الى أعلى الدرج خرج عليهم جماعة من العسكر وجذبوا مصطفى آغا من بينهم وقبضوا عليه وأنزلوه الى أسفل وأخذوه الى القلعة ماشيًا على أقدامه فحنق الشيخ السادات ودخل على طاهر باشا وتشاجر معه فأطلعه على مكتوب مرسل من محمد باشا إليه فقال هذا لا يؤاخذ به وإنما يؤاخذ إذا كان المكتوب منه الى محمد باشا ثم انحط الأمر على أنه لا يقتله ولا يطلقه ثم أن طاهر باشا ركب ليلًا وذهب الى شيخ السادات وأخذ خاطره بعد ما فزع من حضوره إليه في ذلك الوقت‏.‏

وفي ثالث عشرينه أطلعوا يوسف كتخدا الباشا الى القلعة وألزموه بمال وكذلك خزنة كاتب‏.‏

وفيه خرج أمير الأزلام لملاقاة الحجاج فنصب وطاقه بقبة النصر وأقام هناك‏.‏

وفيه حضر هجان على يده مكاتيب كر مؤرخة في عشرين شهر الحجة مضمونها أن الوهابيين أحاطوا بالديار الحجازية وأن شريف مكة غالب تداخل مع شريف باشا وأمير الحاج المصري والشامي وأرشاهم على أن يتعوقوا معه أيامًا حتى ينقل ماله ومتاعه الى جدة وذلك بعد اختلاف كبير وحل وربط وكونهم يجتمعون على حربه ثم يرجعون على ذلك الى أن اتفق رأيهم على الرحيل فأقاموا مع الشريف اثني عشر يومًا ثم رحلوا ورحل الشريف بعد أن أحرق داره وفيه قبضوا على أنفار من الوجاقلية أيضًا المستورين وطلبوا منهم دراهم وعملوا على طائفة القبط الكتبة خمسمائة كيس بالتوزيع‏.‏

وفي خامس عشرينه قبضوا على جماعة منهم وحبسوهم وكذلك عملوا على طائفة اليهود مائة كيس‏.‏

وفيه حضر أحمد آغا شويكار الى مصر بمراسلة من الأمراء القبالى‏.‏

وفي يوم الأربعاء سادس عشرينه سافرت التجريدة المعينة لمحمد باشا وكبيرها حسن بك أخو طاهر باشا فنزلوا في مراكب وفي البر أيضًا‏.‏

وفي يوم الخميس قبضوا على المعلم ملطي القبطي من أعيان كتبة القبط وهو الذي كان قاضيًا أيام الفرنسيس فرموا رقبته عند باب زويلة وكذلك قطعوا رأس المعلم حنا الصبحاني أخي يوسف الصبحاني من تجار الشوام عند باب الخرق في ذلك اليوم وأقاما مرميين الى ثاني يوم‏.‏

وفي يوم السبت غايته رجع أحمد آغا شويكار بجواب من الباشا الى رفقائه وأشيع وصول ابراهيم بك ومن معه الى زاوية المصلوب ووصلت مقدماتهم الى بر الجيزة يقبضون الكلف من البلاد‏.‏

وفيه أفرجوا عن يوسف كتخدا الباشا بعد أن دفع ثمانين كيسًا ونزل من القلعة الى داره‏.‏

وفيه أرسل طاهر باشا الى مصطفى أفندي رامز الكاتب وابراهيم أفندي الروزنامجي وسليمان أفندي فأخذوهم عند عبد الله أفندي رامز الروزنامجي الرومي‏.‏

شهر صفر 1218 استهل بيوم الأحد في ثانيه حضر الأمراء القبالي الى الشيخ الشيمي‏.‏

وفي ليلة الأربعاء رابعه خنقوا أحمد كتخدا علي باش اختيار الانكشارية ومصطفى كتخدا الرزاز العزب وكانا محبوسين بالقلعة وضربوا وقت خنقهما مدفعين في الساعة الثالثة من الليل ورموهما الى الخارج‏.‏

وفي صبحها يوم الأربعاء حضر جواب من العسكر الذين ذهبوا لمحاربة محمد باشا مضمونه أنه انتقل من مكانه وذهب الى جهة دمياط وأنه تخلف عنه من العسكر الذين معه وأرسلوا يطلبون منهم الأمان فلم يجاوبوهم حتى يستأذنوا في ذلك فأجابهم طاهر باشا بأن يعطوهم أمانًا ويضموهم إليهم‏.‏

وفي ذلك اليوم أشيع أن طاهر باشا قاصد التعدية الى البر الغربي ليسلم على الأمراء المصرلية في ذلك الوقت أمر بإحضار حسن آغا محرم فارتاع من ذلك وأيقن بالموت فلما حضر بين يديه خلع عليه فروة وجعله معمارجي باشا وأعطاه ألفي فرانسه وأمره أن يتقيد بتعمير القلعة وما صدق أن خرج من بين يديه وسكن روعه في ذلك الوقت حضر إليه طائفة من الانكشارية وهم الذين كانوا حضروا في أول المحرم في النقاير مع الجبخانة ليتوجهوا الى الديار الحجازية وأنزلوهم بجامع الظاهر خارج الحسينية وحصلت كائنة محمد باشا وهم مقيمون على ما هم عليه ولما خرج محمد باشا وظهر عليه طائفة الأرنؤد شمخوا على الانكشارية وصاروا ينظرون إليهم بعين الاحتقار مع تكبر الانكشارية ونظرهم في أنفسهم أنهم فخذ السلطنة وأن الأرنؤد خدمهم وعسكرهم وأتباعهم ولما فرد الفرد طاهر باشا وصادر الناس صار يدفع الى طائفة الأرنؤد جماكيهم المنكسرة أو يحولهم بأوراق على المصادرين وكلما طلب الانكشارية شيئًا من جماكيهم قال لهم ليس لكم عندي شيء ولا أعطيكم إلا من وقت ولايتي فإن كان لكم شيء فاذهبوا وخذوه من محمد باشا فضاق خناقهم وأوعز صدورهم وبيتوا أمرهم مع أحمد باشا والي المدينة فلما كان في هذا اليوم ركب الجماعة المذكورون من جامع الظاهر وهم نحو المائتين وخمسين نفرًا بعددهم وأسلحتهم كما هي عادتهم وخلفهم كبراؤهم وهم اسمعيل آغا ومعه آخر يقال له موسى آغا وآخر فذهبوا على طاهر باشا وسألوه في جماكيهم فقال لهم ليس لكم عندي إلا من وقت ولايتي وإن كان لكم شيء مكسور فهو مطلوب لكم من باشتكم محمد باشا فألحوا عليه فنتر فيهم فعاجلوه بالحسام وضربه أحدهم فطير رأسه ورماها من الشباك الى الحوش وسحبت طوائفهم الأسلحة وهاجوا في أتباعه فقتل منهم جماعة واشتعلت النار في الأسلحة والبارود الذي في أماكن أتباعه فوقع الحريق والنهب في الدار ووقع في الناس كرشات وخرجت العساكر الانكشارية وبأيديهم السيوف المسلولة ومعهم ما خطفوه من النهب فانزعجت الناس وأغلقوا الأسواق والدكاكين وهربوا الى الدور وأغلقوا الأبواب وهم لا يعلمون ما الخبر وبعد ساعة شاع الخبر وشق الوالي والآغا ينادون بالأمن والأمان حسب ما رسم أحمد باشا وكرروا المناداة بذلك ثم نادوا باجتماع الانكشارية البلدية وخلافهم عند أحمد باشا على طائفة الأرنؤد وقتلهم وأخرجهم من المدينة فتحزبوا أحزابًا ومشوا طوائف طوائف وتجمع الأرنؤد جهة الأزبكية وفي بيوتهم الساكنين فيها وصار الانكشارية إذا ظفروا بأحد من الأرنؤد أخذوا سلاحه وربما قتلوه وكذلك الأرنؤد يفعلون معهم مثل ذلك هذا والنهب والحريق عمال في بيت طاهر باشا وفرج الله عن المعتقلين والمحبوسين على المغارم والمصادرات وبقيت جثة طاهر باشا مرمية لم يلتفت إليها أحد ولم يجسر أحد من أتباعه على الدخول الى البيت وإخراجها ودفنها وزالت دولته انقضت سلطنته في لحظة فكانت مدة غلبته ستة وعشرين يومًا ولو طال عمره زيادة على ذلك لأهلك الحرث والنسل وكان صفته أسمر اللون نحيف البدن أسود اللحية قليل الكلام بالتركي فضلًا عن العربي ويغلب عليه لغة الأرنؤدية وفيه هوس وانسلاب وميل للمسلوبين والمجاذيب والدراويش وعمل له خلوة بالشيخونية وكان يبيت فيها كثيرًا ويصعد مع الشيخ عبد الله الكردي الى السطح في الليل ويذكر معه ثم سكن هناك بحريمه وقد كان تزوج بامرأة من نساء الأمراء وكان يجتمع عنده أشكال مختلفة الصور فيذكر معهم ولما رأوا منه ذلك خرج الكثير من الأوباش وتزيا بما سولت له نفسه وشيطانه ولبس له طرطورًا طويلًا ومرقعة ودلفًا وعلق له جلاجل وبهرجان وعصا مصبوغة وفيها شخاشيخ وشراريب وطبلة يدق عليها ويصرخ ويزعق ويتكلم بكلمات مستهجنة وألفاظ موهمة بأنه من أرباب الأحوال ونحو ذلك ولما قتل أقام مرميًا الى ثاني يوم لم يدفن ثم دفنوه من غير رأس بقبة عند بركة الفيل وأخذ بعض الينكجرية رأسه وذهبوا بها ليوصلوها الى محمد باشا يأخذوا منه البقشيش فلحقهم جماعة من الأرنؤد فقتلوهم وأخذوا الرأس منهم ورجعوا بها ودفنوها مع جثته وكتب أحمد باشا مكتوبًا الى محمد باشا يعلمه بصورة الواقعة ويستعجله للحضور وكذلك المحروقي وسعيد آغا أرسل كل واحد مكتوبًا بمعنى ذلك وظنوا تمام المنصف ولما نهبوا بيته نهبوا ما جاوره من دور الناس من الحبانية الى ضلع السمكة الى درب الجماميز ثم ان أحمد باشا أحضر المشايخ وأعلمهم بما وقع وأمرهم بالذهاب الى محمد علي ويخاطبوه بأن يذعن الى الطاعة فلما ذهبوا إليه وخاطبوه في ذلك أجاب بأن أحمد باشا لم يكن واليًا على مصر بل إنما هو والي المدينة المنورية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام وليس له علاقة بمصر وأنا كنت الذي وليت طاهر باشا لكونه محافظ الديار المصرية من طرف الدولة وله شبهة في الجملة وأما أحمد باشا فليس له جرة ولا شبهة فهو يخرج خارج البلدويأخذ معه الانكشارية ونجهزه ويسافر الى ولايته فقاموا من عنده على ذلك واستمر الانكشارية على ما هم عليه من النهب وتتبع الأرنؤد وتحزبوا وتسلحوا وعملوا متاريس على جهاتهم ونواحيهم الى آخر النهار فنادوا على الناس بالسهر والتحفظ والدكاكين تفتح والقناديل تعلق وبات الناس على تخوف ولما أصبح نهار الخميس مر الوالي والآغا ينادون بالأمان برسم حكم أحمد باشا ثم أن أحمد باشا أرسل أوراقًا الى المشايخ بالحضور فذهبوا إليه فقال لهم أريد منكم أن تجمعوا الناس والرعية وتأمروهم بالخروج على الأرنؤد وقتلهم فقالوا سمعًا وطاعة وأخذوا في القيام فقال لهم لا تذهبوا وكونوا عندي وأرسلوا للناس كما أمرتكم فقالوا له إن عادتنا أن يكون جلوسنا في المهمات بالجامع الأزهر ونجتمع به ونرسل الى الرعية فإنهم عند ذلك لا يخالفون وكان مصطفى آغا الوكيل حاضرًا فراددهم في ذلك وعرف منهم الانفكاك فلم يزالوا حتى تخلصوا وخرجوا وكان أحمد باشا أرسل أحضر الدفتردار ويوسف كتخدا الباشا وعبد الله أفندي رامز الروزنامجي وغالب أكابر العثمانية ومصطفى آغا الوكيل كان مرهونًا عند شيخ السادات كما تقدم فعندما سمع بقتل طاهر باشا ركب بجماعته وأبهته وأخذ معه عدة من الانكشارية وذهب الى عند أحمد باشا ووقف بين يديه يعاضده ويقويه وأما محمد علي والأرنؤد فإنهم مالكون القلعة الكبيرة ويجمعون أمرهم ويراسلون الأمراء فلما أصبح ذلك اليوم عدى الكثير من المماليك والكشاف الى بر مصر ومروا في الأسواق وعدى أيضًا محمد علي وقابلهم في بر الجيزة ورجع وعدى الكثير منهم من ناحية انبابة ومعهم عربان كثيرة وساروا الى جهة خارج باب النصر وباب الفتوح وأقاموا هناك وأرسل ابراهيم بك ورقة الى أحمد باشا يقول فيها إنه بلغنا موت المرحوم طاهر باشا عليه الرحمة والرضوان فأنتم تكونون مع أتباعكم الأرنؤد حالًا واحدًا ولا تتداخلوا مع الانكشارية فلما كان ضحوة النهار ذهب جماعة من الانكشارية الى جهة الرميلة فضربوا عليهم من القلعة مدافع فولوا وذهبوا ثم بعد حصة ضربوا أيضًا عدة مدافع متراسلة على جهة بيت أحمد باشا وكان ساكنًا في بيت علي بك الكبير بالداودية فعند ذلك أخذ أمره في الانحلال وتفرق عنه غالب الانكشارية البلدية ووافق أن المشايخ لما خرجوا من عنده وركبوا لم يزالوا سائرين الى أن وصلوا جامع الغورية فنزلوا به وجلسوا وهم في حيرة متفكرين فيما يصنعون فعندما سمعوا صوت المدافع قاموا وتفرقوا وذهبوا الى بيوتهم ثم أن ابراهيم بك أرسل ورقة الى أحمد باشا قبيل العصر يأمره فيها بتسليم الذين قتلوا طاهر باشا ويخرج الى خارج البلد ومعه مهلة الى حادي عشر ساعة من النهار ولا يقيم الى الليل وإن خالف فلا يلومن إلا نفسه فلما رأى حال نفسه مضمحلًا لم يجد بدًا من الامتثال إلا أنه يجد جمالًا يحمل عليها أثقاله فقال للرسول سلم عليه وقل له يرسل لي جمالًا وأنا أخرج وأما تسليم القاتلين فلا يمكن فقال له أما بحضور الجمال فغير متيسر في هذا الوقت لبعد المسافة فقال له وكيف يكون العمل فقال يركب حضرتكم ويخرج ووقت ما حضرت الجمال الليلة أو غدًا حملت الأثقال ولحقتكم خارج البلد فعند ذلك قام وركب وقت العصر وتفرق من كان معه من أعيان العثمانية مثل الدفتردار وكتخدا بك والروزنامجي وذهبوا الى محمد علي والتجؤوا إليه فأظهر لهم البشر والقبول وخرج أحمد باشا في حالة شنيعة وأتباعه مشاة بين يديه وهم يعدون في مشيهم وعلى أكتافهم وسائد وأمتعة خفيفة فعندما خرج من البيت دخل الأرنؤد ونهبوا جميع ما فيه ولم يزل سائرًا حتى خرج من المدينة من باب الفتوح فوجد العسكر والعربان وبعض كشاف ومماليك مصرية محدقة بالطرق فدخل مع الانكشارية الى قلعة الظاهر وأغلقوها عليهم وخرج خلفهم عدة وافرة من الأرنؤد والكشاف المصرلية والعرف والغز وأحاطوا بهم وأقاموا على ذلك تلك الليلة وبعد العشاء مر الوالي وأمامه المناداة بالأمان حسب ما رسم ابراهيم بك حاكم الولاية وأفندينا محمد علي فكانت مدة الولاية لأحمد باشا يومًا وليلة لا غير وفي ذل اليوم نهبوا بيت يوسف كتخدا بك وأخرجوا منه أشياء كثيرة أخذ ذلك جميعه الأرنؤد وأصبح يوم الجمعة فركب المشايخ والأعيان وعدوا الى بر الجيزة وسلموا على ابراهيم بك والأمراء‏.‏

وفيه استأذن الدفتردار وكتخدا بك محمد علي في الإقامة عنده أو الذهاب فأذن لهما بالتوجه الى بيوتهما فركبا قبيل الظهر وسارا الى بيت الدفتردار وهو بيت البارودي فدخل كتخدا بك مع الدفتردار لعلمه بنهب بيته فنزلا وجلسا مقدار ساعة وإذا بجماعة من كبار الأرنؤد ومعهم عدة من العسكر وصلوا إليهما وعند دخولهم طلبوا المشاعلي من بيت علي آغا الشعراوي وهو تجاه بيت البارودي فلم يجدوه فذهب معهم رفيق له وليس معه سلاح فدخلوا الدار وأغلقوا الباب وعلم أهل الخطة مرادهم فاجتمع الكثير من الأوباش والجعيدية والعسكر خارج الدار يريدون النهب ولما دخلوا عليهما قبضوا أولًا على الدفتردار وشلحوه من ثيابه وهو يقول عيبتر وأصابه بعضهم بضربة على يده اليمنى وأخرجوه الى فسحة المكان وقطعوا رأسه بعد ضربات وهو يصيح مع كل ضربة لكون المشاعلي لا يحسن الضرب ولم يكن معه سلاح بل ضربه بسلاح بعض العسكر الحاضرين ثم فعلوا ذلك بيوسف كتخدا بك وهو ساكت لم يتكلم وأخذوا الرأسين وتركوهما مرميين وخرجوا بعدما نهبوا ما وجدوه من الثياب والأمتعة بالمكان وكذلك ثياب أتباعهم وخرج أتباعهم في أسوأ حال يطلبون النجاح بأرواحهم ومنهم من هرب وطلع الى حريم البارودي الساكنات في البيت وصرخ النساء وانزعجن وكانت الست نفيسة المرادية في ذلك المنزل أيضًا في تلك الأيام فعندما رأت وصول الجماعة أرسلت الى سليم كاشف المحرمجي فحضر في ذلك الوقت فكلمته في أن يتلافى الأمر فوجده قد تم فخرج بعد خروجهم بالرأسين فظن الناس أنها فعلته ثم حضر محمد علي في إثر ذلك وطرد الناس المجتمعين للنهب وختم على المكان وركب الى داره ثم أن علي آغا الشعراوي استأذن محمد علي في دفنهما فأذن له فأعطى شخصًا ستمائة نصف فضة لتجهيزهما وتكفينهما فأخذها وأعطى منها الآخر مائتين نصف لا غير فأخذها وذهب فوضعهما في تابوت واحد من غير رؤوس وكانوا ذهبوا برؤوسهما الى الأمراء بالجيزة ولم يردوهما ولم يدفنا معهما ثم رفعهما بالتابوت الى ميضاة جامع السلطان شاه المجاور للمكان وهو مكان قذر فغسلهما وكفنهما في كفن حقير ودفنهما في حفرة تحت حائط بتربة الأزبكية من غير رؤوس فهذا ما كان من أمرهما وأما الذين في قلعة الظاهر فإنهم انحصروا وأحاط بهم الأرنؤد والغز والعربان وليس عندهم ما يأكلون ولا ما يشربون فصاروا يرمون عليهم من السور القرابين والبارود وهم كذلك يرمون عليهم من أسفل وجمعوا أتربة وعملوها كيمانًا عالية وصاروا يرمون عليهم منها كذلك بقية نهار الجمعة وليلة السبت اشتد الحرب بينهم بطول الليل وفي الصباح أنزلوا من القلعة مدافع كبارًا وبنبة وجبخانة وأصعدوها على التلول وضربوا عليهم من قبيل العصر فعند ذلك طلبوا الأمان وفتحوا باب القلعة وخرج أحمد باشا وصحبته شخصان وهما اللذان قتلا طاهر باشا فأخذوهم وعدوا بهم الى الجيزة وبطل الحرب والرمي وبقي طائفة الانكشارية دال القلعة وحولهم العساكر فلما ذهبوا بهم الى الجيزة أرسلوا أحمد باشا الى قصر العيني وأبقوا الاثنين وهم اسمعيل آغا وموسى آغا بالقصر الذي بالجيزة ونودي بالأمان للرعية حسب ما رسم ابراهيم بك وعثمان بك البرديسي ومحمد علي‏.‏

وفي يوم السبت حضر أحمد بك أخو محمد علي الى جهة خان الخليلي لإجراء التفتيش على منهوبات الأرنؤد التي نهبها الانكشارية وأودعوها عند أصحابهم الأتراك ففتحوا عدة حوانيت وقهاوي وأماكن وأخذوا ما فيها وأجلسوا طوائف من عسكر الأرنؤد على الخانات والوكائل والأماكن وشلحوا ناسًا كثيرة من ثيابهم وربما قتلوا من عصي عليهم فتخوف أهل خان الخليلي ومن جاورهم واستمر الأرنؤد كلما مرت منهم طائفة ووجدوا شخصًا في أي جهة قبة شبه ما بالأتراك قبضوا عليه وأخذوا ثيابه وخصوصًا إن وجدوا شيئًا معه من السلاح أو سكينًا فتوقى أكثر الناس وانكفوا عن المرور في أسواق المدينة فضلًا عن الجهات البرانية‏.‏

وفيه كثر مرور الغز والكشاف المصرلية وترددوا الى المدينة وعلى أكتافهم البنادق والقرابين وخلفهم المماليك والعربان فيذهبون الى بيوتهم ويبيتون بها ويدخلون الحمامات ويغيرون ثيابهم ويعودون الى بر الجيزة وبعضهم أمامه المناداة بالأمان عند مروره بوسط المدينة‏.‏

وفيه كتبت أوراق بطلب دراهم فردة على البلاد الموفية والغربية كل بلد ألف ريال وذلك خلاف مضايف العرب وكلفهم‏.‏

وفي يوم الاثنين قتلوا شخصًا بباب الخرق يقال إنه كان من أكبر المتحزبين على الأرنؤد وجمع منهوبات كثيرة‏.‏

وفيه أيضًا قتلوا اسمعيل آغا وموسى آغا وهما اللذان كان قتلا طاهر باشا وتقدم أنهم كانوا أخذوهما بالأمان صحبة أحمد باشا فأرسلوا أحمد باشا الى قصر العيني وبقي الإثنان بقصر الجيزة فأخذوهما وعدوا بهما الى البر الآخر وقطعوا رأسيهما عند الناصرية وأخذوا الرأسين وذهبوا بهما الى زوجة طاهر باشا بالشيخونية ثم طلعوهما الى أخي طاهر باشا بالقلعة‏.‏

وفيه تقلد سليم آغا أغات مستحفظان سابقًا الأغاوية كما كان وركب وشق المدينة بأعوانه وأمامه جماعة من العسكر الأرنؤد وليسوا أيضًا حسين آغا أمين خزنة مراد بك وقلدوه والي الشرطة ولبسوا محمدًا المعروف بالبرديسي كتخدا قائد آغا وجعلوه محتسبًا وشق كل منهم بالمدينة وأمامهم المناداة بالأمن والأمان والبيع والشراء‏.‏

وفيه أخرجوا الانكشارية الذين بقلعة الظاهر وسفروهم الى جهة الصالحية وصحبتهم كاشفان وطائفة من العرب بعدما أخذوا سلاحهم ومتاعهم بل وشلحوهم ثيابهم والذي بقي لهم بعد ذلك أخذته العرب وذهبوا في أسوأ حال وأنحس بال وهم نحو الخمسمائة إنسان ومنهم من التجأ الى بعض المماليك والغز فستر عليه وغير هيئته وجعله من أتباعه وكذلك الانكشارية الذين كانوا مخفيين التجأوا الى المماليك وانتموا إليهم وخدموهم فسبحان مقلب الأحوال وحضر سليم كاشف المحرمجي وسكن بقلعة الظاهر وكتب الى إقليم القليوبية أوراقًا وقرر على كل بلد ألف ريال ومن كل صنف من الأصناف سبعين مثل سبعين خروف وسبعين رطل سمن وسبعين رطل بن وسبعين فرخة وهكذا وحق طريق المعين لقبض ذلك خمسة وعشرون ألف فضة من كل بلد‏.‏

وفي يوم الأربعاء حادي عشره حضر محمد عليوعبد الله أفندي رامز الروزنامجي ورضوان كتخدا ابراهيم بك الى بيت الدفتردار المقتول وضبطوا تركته فوجد عنده نقود ثلثمائة كيس وقيمة عروض وجواهر وغيرها نحو ألف كيس‏.‏

وفيه أرسل ابراهيم بك فجمع الأعيان والوجاقلية وأبرز لهم فرمانات وجدوها عند الدفتردار المقتول مضمونها تقريرات مظالم منها أن المماليك المصرلية كانوا أحدثوا على الغلال التي تباع الى بحربرا علن كل أردب محبوب فيقرر ذلك بحيث يتحصل من ذلك للخزينة العامة عشرة آلاف كيس في السنة فإن نقصت عن ذلك القدر أضر ذلك بالخزينة ومنها تقرير المليون الذي كان قرره الفرنسيس على أهالي مصر في آخر مدتهم ويوزع ذلك على الرؤوس والدور والعقار والأملاك ومنها أن الحلوان عن المحلول ثلاث سنوات ومنها أنه يحسب المضاف والبراني الى ميري البلاد وغير ذلك‏.‏

وفي يوم الخميس ثاني عشره عمل عثمان بك البرديسي عزومة بقصر العيني وحضر ابراهيم بك والأمراء ومحمد علي ورفقاؤه وبعد انقضاء العزومة ألبسوا محمد علي ورفقاءه خلعًا وقدموا لهم تقادم‏.‏

وفي يوم الجمعة كذلك عملوا عزومة لابن أخي طاهر باشا المقيم بالقلعة وصحبته عابدي بك ورفقاؤهم بقصر العيني وخلعوا عليهم وقدموا لهم تقادم أيضًا‏.‏

وفي يوم الأحد خامس عشره نزل ابن أخي طاهر باشا من القلعة ومن معه من أكابر الأرنؤد وأعيانهم وعساكرهم بعزالهم ومتاعهم وما جمعوه من المنهوبات وهو شيء كثير جدًا وسلموا القلعة الى الأمراء المصرلية وطلع أحمد بك الكلارجي الى باب الانكشارية وأقام به وعبد الرحمن بك ابراهيم الى باب العزب وسليم آغا مستحفظان الى القصر فعند ذلك اطمأن الناس بنزولهم من القلعة فإنهم كانوا على تخوف من إقامتهم بها وكثر فيهم اللغط بسبب ذلك فلم يزل الأمراء وفيه ورد الخبر أن محمد باشا لما قربت منه العساكر التي كان أرسلها له طاهر باشا ارتحل الى دمياط كما تقدم‏.‏

وفي يوم الاثنين وردت مكاتبات من الديار الحجازية مؤرخة في منتصف محرم وفيها الإخبار باستيلاء الوهابيين على مكة في يوم عاشوراء وأن الشريف غالب أحرق داره وارتحل الى جدة وأن الحجاج أقاموا بمكة ثمانية أيام زيادة عن المعتاد بسبب الارتباك قبل حصول الوهابيين بمكة ومراعاة للشريف حتى نقل متاعه الى جدة ثم ارتحل الحجاج وخرجوا من مكة طالبين زيارة المدينة فدخل الوهابيون بعد ارتحال الحج بيومين‏.‏

وفي يوم الأربعاء ثامن عشره أخرجوا باقي الانكشارية والدلاة والسجمان وكانوا مجتمعين بمصر القديمة فتضرر منهم المارة وأهل تلك الجهة بسبب قبائحهم وخطفهم أمتعة الناس بل وقتلهم وكان تجمعهم على أن يذهبوا الى جهة الصعيد ويلتفون على حسن باشا بجرجا وينضمون إليه والى من بناحية الصعيد من أجناسهم فذهب منهم من أخبر الأمراء المصرلية بذلك فضبطوا عليهم الطرق واتفق أن جماعة منهم وقفوا لبعض الفلاحين المارين بالبطيخ والخضار فحجزوهم وطلبوا منهم دارهم فمر بهم بعض مماليك من أتباع البرديسي فاستجار بهم الفلاحون فكلموهم فتشاحنوا معهم وسحبوا على بعضهم السلاح فقتل مملوك منهم فذهبوا الى سيدهم وأعلموه فأرسل الى ابراهيم بك فركب الى العرضي ناحية بولاق التكرور وترك مكانه بقصر الجيزة محمد بك بشتك وكيل الألفي وشركوا عليهم الطرق وأمروهم بالركوب والخروج من مصر الى جهة الشام واللحوق بجماعتهم فركبوا من هناك ومروا على ناحية الجبل من خلف القلعة الى جهة العادلية وأمامهم وخلفهم بعض الأمراء المصرلية ومعهم مدفعان وهم نحو ألف وخمسمائة وأزيد فلما خرجوا وتوسطوا البرية عروا الكثير منهم ومن المتخلفين والمتأخرين عنهم وأخذوا أسلحتهم وقتلوا كثيرًا منهم ورجع المماليك ومعهم الكثير من بنادقهم وسلاحهم يحملونه معهم ومع خدامهم فلما رجع المماليك بهذه الصورة ووقف العسكر الأرنؤدية على أبواب المدينة انزعج الناس كعادتهم في كرشاتهم وأغلقوا الدكاكين وعين للسفر معهم حسين كاشف الألفي يذهب معهم الى القنطرة ونودي في عصريته بالأمان وخروج من تخلف من الانكشارية وكل من وجد منهم بعد ثلاثة أيام فدمه وماله هدر‏.‏